(نضال الاغا ) تصنع أحلاما من ورق

المقاله تحت باب  محور النقد
في 
11/07/2011 06:00 AM
GMT



 بنسق جمالي يوفق بين الصياغة العقلانية والخيال التلقائي
(نضال الاغا ) تصنع أحلاما من ورق
 

من  التجارب الفنية القليلة والمتميزة التي جمعت ومنذ البدء بين التجريد والمعاصرة تعد أعمال الفنانة التشكيلية العراقية ( نضال الاغا ) والتي  ولدت عام 1948 في بغداد ونالت درجة الماجستير من جامعة هارتفورد بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1983، بعد أن حصلت على شهادة البكالوريوس في الرسم من جامعة بغداد أكاديمية الفنون الجميلة 1972  وشهادة اختصاص في رسم وتصميم كتب الأطفال من جامعات  برلين وصوفيا

فمذ بدأت  مشاركتها الأولى في اغلب المعارض التشكيلية منتصف السبعينات من القرن الماضي في داخل العراق وخارجة وهي ماضية في تجاربها لارتياد أفق المغامرة وطرح رؤية فنية تستبطن الذات وتقيم حوارا بين الأشياء في محاولة للإجابة عن أسئلة تؤرقها.

إنها تستعد الآن لإقامة معرضها التشكيلي الشخصي السابع  في إحدى قاعات العرض ببغداد وهو امتداد لاشتغالاتها في معارض سابقة بطريقة الكولاج والتي تمتلك حرارة عاطفية وحسية كبيرة يتجلى ذلك في تحويل الأشياء العادية إلى أشياء مهمة لها بريقها الخاصة، فهي تؤطر مشروعها بنسق جمالي يوفق بين الصياغة العقلانية والخيال التلقائي، مستفيدة من إطلاعها على التجارب التشكيلية العالمية ومن عملها في مجال الطباعة وعالم  رسوم الأطفال الذي يمتاز بالعفوية
إن  أسلوب الفنانة من خلال فن الكولاج وإدماج القصاصات اللونية وفق بناء بصري تتحد فيه الصيغ التصويرية ، فإنها تؤسس لتجربة تعتمد على ماورائية الذاكرة في شحذ الإثارة الاستذكارية وبحس تعبيري يحفزها للتواصل التفاعلي  .

فلوحاتها تحاول أن تجسد الأشياء دون حاجة لتحديد للزمان أو المكان لأنها وباختصار تريد  البحث بين ما يربط الإنسان  ومعاناته في ماضية وحاضرة ومستقبله، لذا نرى اغلب أعمالها الفنية تبحث في إعادة صياغة الواقع الذي يتصارع فيه الإنسان مع واقعة المادي عبر تكسير هرمية الزمن بالاسترجاع، . يتجلى ذلك في سياحاتها التوليفية فتعمد للاهتمام بالجانب السيميائي الاشاري بالمعنى الحسي للتعبير إذ تزج بما تلتقطه في وجه اللوحة وبإصرار عاطفي ورمزي وكأنها تجاهد في التقاط الحلم من داخلها خوف ان يتسرب من بين أصابعها، لذا نراها تمزج الواقع بالماورائية القصدية بتجريد عالي التكنيك فهي تدرك عن وعي أنها تبحث عن لحظة ما في الأفق المرئي.

يقول الشاعر أدونيس أن " في الوجود جانبا باطنيا، لا مرئيا، مجهولا، وان معرفته لا تتم بالطرق المنطقية ، العقلانية ". ولان الخيال لدى الفنانة ليس وظيفة حيادية بل هو ذو بعد تفاعلي إنساني  نرى إن العالم الذي ترسمه ما هو إلا عالم موارب، ورغم انه عالم مفترض وسحري إلا أن عناصره لا تبتعد عن الواقع بل تغوص بتجريده كي تصطاد ما ترغب من معان لرموزها .

نلاحظ ذلك الغوص في المجهول وتعدد الاحتمالات التي يخدمها اللون جيداً، حيث يغلب القاتم الطاغي المخترق ببهجة الضوء الموزع في عدة أماكن أو المركز في نقطة واحدة فتبرز أشكالا هندسية فالدائرة بألوانها المتعددة والمربعات والمثلثات المتتالية تشكل رموزا تعبيرية تبتعد عن المحلية إلى عالم أوسع على خلفية استيعابية ذ ولون محايد اقرب ما تكون إلى عرض سماوي مفتوح يحتضنها في محاولة للتعبير عن اللامحدود فاغلب أعمال الفنانة (نضال الاغا) تأخذ شكلا طولي التكوين وكأنها تنطلق برموزها نحو السماء الواسعة نحو الخلاص .

إنها تحاول أن تلملم بقايا مخزون الذاكرة الذاتي لإبداع الوجه الآخر للصورة الغائبة عن الواقع، فتلك الثيم تستنطق اللون والشكل والمضمون كي تبني عالمها المتميز بتجريديته، المبتعد بفلسفته الجمالية والبصرية عن القوالب التقليدية، وبنسق موسيقي عفوي لكنه احتجاجي واضح المقاصد. أن أعمالها تتسم دوما بالصلابة التكوينية والطراوة اللونية والإضاءة الصحيحة في ذات الوقت لكنها لا تخلو من حزن كامن.

أن أعمالها تحتاج إلى تذوق عقلي مثلما تحتاج إلى تذوق وجداني لفهم عوالمها. فليس سهلا أن يتحول اللامرئي والمهمل إلى معنى احتجاجي وجمالي يثير التساؤلات، فالفن هو التجلي لفكرة ما وإدراكها تصوريا يبعدها عن ماديتها، وهو لا يعكس المطلق إلا انعكاسا حدسيا مبهما إلى حد ما.
لوحات الفنانة نضال الاغا